-A +A
عبدالله بن فخري الأنصاري
تقرير المجلس الاستشاري للأمن القومي ناقش عزلة الجالية الإسلامية في العالم الغربي كمكون رئيسي لانتشار العقيدة «الجهادية». كما رأى التقرير أن المسلمين الأمريكيين أكثر نجاحا وتكاملا وبالتالي أقل عزلة من المسلمين في أوروبا. ولعل هذه هي إحدى النتائج الأكثر تجاهلا من قبل مستشاري الأمن الداخلي في أمريكا مع كونها أحد الأسباب الرئيسية في أن الولايات المتحدة لم تعان من هجوم إرهابي آخر منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر. فالمسلمون في الولايات المتحدة يبدون أكثر تكاملا وانخراطا في المجتمع الأمريكي. فقد أظهرت الإحصائيات التي قام بها مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) في عام 2006 أن أكثر من 62 بالمائة من المسلمين في أمريكا يحملون شهادات جامعية وأكثر من 60 بالمائة يحصلون على دخل سنوي يقرب من 50.000 دولار، و70 بالمائة يعتقد بوجوب مشاركة المسلمين في المؤسسات الأمريكية العلمية والسياسية. في حين أن الجالية الإسلامية في أوروبا تبدو مُهمّشة اجتماعيا واقتصاديا مما يجعلها أكثر عرضة للمعتقدات السياسية والفكرية المتطرفة. فمن الأمور الجديرة بالملاحظة أنه لا أحد من مُنفذي هجمات الحادي عشر من سبتمبر قد تم تجنيده من الجالية الإسلامية الأمريكية بخلاف أعضاء خلية هامبورغ التي شكلت القاعدة الخلفية لمنفذي هجمات الحادي عشر من سبتمبر، والمتهمون أيضا في تفجيرات قطارات مدريد في مارس 2004 كانوا مهاجرين مسلمين أوروبيين، وكذلك منفذي تفجيرات نفقِ لندن في يوليو 2005 كانوا مسلمين بريطانيي المولد. ورغم الميزة التي تتمتع بها الولايات المتحدة إلا أن ذلك لا يعني أنها مُحصنة ضد أي تحديات. فما زال المجتمع الأمريكي يفتقر للفهم والمعرفة بالثقافة الإسلامية وخاصة الدين الإسلامي. ولعل أقرب الأمثلة على ذلك جهل الإدارة الأمريكية المُطبق بالطوائف الإسلامية وحقيقة الخلاف السني-الشيعي قبل غزوهم للعراق. ومما قد يساهم في تصدّع جدران العلاقة بين الجالية الإسلامية والمجتمع الأمريكي تلك السياسات الشائبة والانتهاكات للأصول القانونية الثابتة التي تبنتها الإدارة الأمريكية بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، مما أدى إلى تعرّض الجالية الإسلامية لانتهاكات مشينة جردتهم من حقوقهم الأساسية فقط بسبب أصولهم القومية والدينية، مما قاد إلى اعتقالات تعسفية دون تقديم لوائح اتهام، وإساءة استخدام قوانين الهجرة، والإبعاد القسري، وتعطيل بعض الحقوق الثابتة للمتهمين منهم.. وطبقا لإحصاءات منظمة «تراك» الأمريكية المستقلة، انه منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر قام مكتب التحقيق الفيدرالي بتوجيه تهم تتعلق بالإرهاب لأكثر من 6.472 فرداً، الغالبية الساحقة منهم من الجالية الإسلامية. إلا أن المحققين الفيدراليين قرروا فيما بعد أن 64 بالمائة من هذه التهم غير جديرة بالتحقيق والمقاضاة. أما النسبة المتبقية (36 بالمائة) فقد تم تبرئة أو إسقاط التهم عن 9 بالمائة منهم. كما يلاحظ على السياسة الأمريكية مساهمتها في إذكاء روح التعصب والتطرف من خلال تبني سياسات غير عادلة ومتناقضة كتمسكها بمبدأ الحرية والديمقراطية مع دعمها المطلق لإسرائيل، وكارثة الحرب على العراق، وفضائح التعذيب في أبو غريب، وانتهاكات معتقل جوانتنامو وغيرها من الأمور التي قد تقف حجر عثرة أمام إحساس الجالية الإسلامية الأمريكية بوطنيتها. وينبغي الإشارة إلى أن الحكومة الأمريكية باتت الآن أكثر فهما لمخاوف ومطالب الجالية الإسلامية الأمريكية. فهناك جهود يبذلها مكتب الحقوق والحريات المدنية التابع لإدارة الأمن الداخلي الأمريكية لتثقيف العاملين في الحكومة الفيدرالية وتعريفهم بالطرق المثلى في التعامل مع المسلمين واحترام عقيدتهم ومشاعرهم.
afansary@yahoo.com